أين تذهب أرباح الشركة؟

أرباح الشركة
"أعمالنا تتوسع ولكننا لا نعرف أين المكاسب!" - شكوى شائعة بين أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة، خاصة في قطاع المقاولات.

كثيرة هي الأسئلة التي تواجه إدارة الشركات، وخصوصاً في مجال المقاولات، حول كيفية معرفة أين تذهب أرباح الشركة. هذه المشكلة تظهر بشكل خاص في الشركات الصغيرة، حيث يتكرر السؤال: "أعمالنا تتوسع ولكننا لا نعرف أين المكاسب؟"

يرغب صاحب الشركة دائماً في معرفة حجم أرباحه من الشركة، خاصة عندما يلاحظ توسعاً في الأعمال دون زيادة ملموسة في الأرباح، أو عندما يواجه تعثراً مالياً رغم زيادة حجم المشاريع. في هذا المقال، سنستعرض الأسباب الرئيسية لاختفاء أرباح الشركات، مع التركيز على قطاع المقاولات، ونقدم حلولاً عملية لمعالجة هذه المشكلة.

لماذا تختفي أرباح الشركات رغم توسع أعمالها؟

الواقع أن هناك العديد من الشركات الصغيرة التي تلجأ في الحصول على أعمال المقاولات إلى خفض الأسعار بشكل كبير. وعند مراجعة تكاليف المشروعات، نجد أن ما قامت بصرفه على المشروع أعلى من الإيرادات المحققة منه. هذه الظاهرة ترجع إلى عدة أسباب رئيسية:

1 إهمال التكاليف غير المباشرة والاستقطاعات

عند إعداد تحليل الأسعار للمشاريع، تغفل العديد من الشركات عن احتساب التكاليف غير المباشرة والاستقطاعات المختلفة، مثل:

  • الضرائب: ضريبة القيمة المضافة، ضريبة الدخل، وغيرها من الضرائب المفروضة على أنشطة المقاولات.
  • التأمينات الاجتماعية: المبالغ المستحقة للتأمينات الاجتماعية عن العاملين في المشروع.
  • الرسوم الحكومية: رسوم التراخيص، رسوم التصاريح، وغيرها من الرسوم المرتبطة بتنفيذ المشروع.
  • المصاريف الإدارية: تكاليف المكتب الرئيسي، رواتب الإداريين، وغيرها من المصاريف غير المرتبطة مباشرة بالمشروع.

الحل: يجب إعداد تحليل شامل للتكاليف قبل تقديم أي عرض سعر، مع مراعاة جميع التكاليف المباشرة وغير المباشرة والاستقطاعات المتوقعة. استخدم نماذج محاسبية متخصصة لقطاع المقاولات تأخذ في الاعتبار جميع هذه العناصر.

2 ضمان الأعمال المحتجز

في معظم عقود المقاولات، يتم خصم ضمان الأعمال بنسبة تصل إلى 5% من قيمة كل مستخلص. هذا المبلغ لا يتم استرداده إلا بعد التسليم النهائي للمشروع والانتهاء من فترة الضمان، والتي قد تمتد لسنة أو أكثر بعد الانتهاء من التنفيذ.

هذا يعني أن جزءاً من أرباح الشركة يظل محتجزاً لفترة طويلة، مما يؤثر على السيولة النقدية ويعطي انطباعاً بانخفاض الأرباح.

الحل: يجب أخذ قيمة ضمان الأعمال في الاعتبار عند إعداد التدفقات النقدية للمشروع، وتخصيص جزء من الميزانية لتغطية هذا الاحتجاز. كما يمكن التفاوض مع العميل على تقليل نسبة الضمان أو استبدالها بضمان بنكي في بعض الحالات.

3 ارتفاع أسعار الخامات والتكاليف

غالباً ما ترتفع أسعار المواد الخام والعمالة خلال فترة تنفيذ المشروع عما كان مقدراً في دراسة العملية الأولية. هذا الارتفاع في التكاليف، خاصة في المشاريع طويلة الأجل، يمكن أن يلتهم هامش الربح بالكامل إذا لم يتم التحوط له بشكل مناسب.

الحل: تضمين بند في العقد يسمح بتعديل الأسعار في حالة ارتفاع تكاليف المواد بنسبة معينة. كما يجب وضع هامش أمان في التسعير لمواجهة التقلبات المحتملة في الأسعار، وشراء المواد الرئيسية مقدماً إذا كان ذلك ممكناً.

4 المسحوبات الشخصية وزيادة المصروفات الإدارية

كثيراً ما يقوم أصحاب الشركات الصغيرة بسحب مبالغ من أموال الشركة لتغطية نفقاتهم الشخصية دون تسجيلها كمسحوبات. بالإضافة إلى ذلك، قد تتضخم المصروفات الإدارية بصورة مبالغ فيها نتيجة عدة أسباب، منها:

  • الهدر في استخدام الخامات: عدم وجود نظام فعال لمراقبة المخزون والمواد.
  • السرقة والاختلاس: غياب الرقابة الداخلية الفعالة.
  • المصروفات غير الضرورية: الإنفاق على بنود لا تضيف قيمة حقيقية للشركة.

الحل: تحديد راتب ثابت لصاحب الشركة بدلاً من السحب العشوائي، وتطبيق نظام محاسبي فعال يفصل بين مصروفات الشركة والمصروفات الشخصية. كما يجب تطبيق نظام رقابة داخلية فعال لمنع الهدر والسرقة.

5 أعمال إضافية غير معتمدة

في كثير من المشاريع، تطرأ تعديلات وأوامر تغيير تتطلب أعمالاً إضافية. المشكلة تكمن في أن هذه الأعمال قد تنفذ دون توثيق رسمي أو اعتماد من الاستشاري، مما يؤدي إلى:

  • عدم إمكانية المطالبة بمستحقات هذه الأعمال لاحقاً.
  • زيادة التكاليف دون زيادة مقابلة في الإيرادات.
  • نشوء نزاعات مع العميل حول نطاق العمل المتفق عليه.

الحل: عدم تنفيذ أي أعمال إضافية إلا بعد الحصول على أمر تغيير معتمد من العميل أو الاستشاري. توثيق جميع التعديلات والأعمال الإضافية بشكل رسمي، وإعداد مستخلصات منفصلة لها.

6 شراء أصول ومعدات للشركة

قد تقوم الشركة بإحلال وتجديد الأصول الخاصة بها وزيادتها، مثل شراء معدات جديدة أو تحديث المعدات القديمة. هذه النفقات الرأسمالية تؤدي إلى:

  • استنزاف السيولة النقدية للشركة.
  • عدم ظهور أرباح نقدية للمالك، رغم أن قيمة الشركة قد ازدادت من خلال زيادة أصولها.
  • تحويل الأرباح إلى أصول ثابتة بدلاً من توزيعها على المالكين.

الحل: وضع خطة واضحة للإنفاق الرأسمالي، مع تحديد نسبة معينة من الأرباح للاستثمار في الأصول ونسبة أخرى للتوزيع على المالكين. استخدام التأجير التمويلي بدلاً من الشراء المباشر للمعدات الكبيرة لتوزيع التكلفة على فترة زمنية أطول.

استراتيجيات لتحسين ربحية شركات المقاولات

بالإضافة إلى الحلول المذكورة لكل سبب من أسباب اختفاء الأرباح، هناك استراتيجيات عامة يمكن تطبيقها لتحسين ربحية شركات المقاولات:

  1. تطبيق نظام محاسبي متخصص: استخدام برامج محاسبية متخصصة في قطاع المقاولات، تسمح بتتبع تكاليف كل مشروع بشكل منفصل ودقيق.
  2. إعداد موازنات تقديرية: وضع موازنات تقديرية لكل مشروع ومقارنة الأداء الفعلي بها بشكل دوري.
  3. تحسين إدارة المشتريات: تطوير نظام فعال لإدارة المشتريات والمخزون، يضمن الحصول على أفضل الأسعار وتقليل الهدر.
  4. تطوير نظام الرقابة الداخلية: تطبيق إجراءات رقابية فعالة لمنع الاختلاس والسرقة وضبط المصروفات.
  5. التركيز على المشاريع ذات الربحية العالية: تحليل ربحية المشاريع السابقة والتركيز على أنواع المشاريع التي تحقق أعلى هامش ربح.
  6. تحسين إدارة التدفقات النقدية: وضع خطة للتدفقات النقدية تضمن توفر السيولة اللازمة لتنفيذ المشاريع دون اللجوء للاقتراض بتكلفة عالية.

تحذير هام

تجنب الدخول في مناقصات بأسعار منخفضة جداً لمجرد الحصول على العمل. هذه الممارسة قد تؤدي إلى خسائر كبيرة على المدى الطويل، وقد تضطر الشركة إلى تنفيذ المشروع بجودة أقل لتعويض انخفاض السعر، مما يؤثر سلباً على سمعتها في السوق.

الخلاصة

اختفاء أرباح الشركات رغم توسع أعمالها مشكلة شائعة، خاصة في قطاع المقاولات. فهم الأسباب الرئيسية لهذه المشكلة هو الخطوة الأولى نحو حلها. من خلال تطبيق الحلول والاستراتيجيات المذكورة في هذا المقال، يمكن لأصحاب الشركات تحسين ربحية أعمالهم والحصول على عائد مناسب على استثماراتهم.

تذكر دائماً أن النمو في حجم الأعمال لا يعني بالضرورة زيادة في الأرباح، ما لم يصاحبه إدارة فعالة للتكاليف وتسعير مناسب للمشاريع وتطبيق أنظمة رقابية فعالة.

"النجاح في قطاع المقاولات لا يقاس بحجم المشاريع، بل بالربحية والاستدامة المالية على المدى الطويل." - محمد عبد اللطيف بكر